الهجره

التحذيرات المتتالية التي تقوم وسائل الإعلام العربية المختلفة ببثها بين الحين والآخر، لم تفلح في وقف نزيف الهجرة غير الشرعية للشباب العربي إلى أوروبا . فأخبار سفن الموت العربية لم تنقطع حتى الآن، عن الإبحار إلى الجنة الأوروبية المزعومة في تعبير واضح، عن أن الكثير من شباب العرب مازالوا يفضلون الانتحار، على شواطئ أوروبا، عن البحث عن فرصة عمل مستحيلة في أوطانهم.


المعلومات تشير إلى أن الظاهرة لا تقتصر على دولة عربية دون غيرها، حيث تعد الهجرة غير الشرعية واحدة من الأمور النادرة، التي تجمع بين العرب اليوم في الوقت الذي يؤكد فيه الواقع، أن الإجراءات القانونية الصارمة التي اتخذتها الحكومات؛ للقضاء على الظاهرة مازالت حبرا على ورق أمام طوفان من الشباب المتيم بالحلم الأوروبي.

حديث الأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل، يكشف أن السلطات الإيطالية قدرت عدد المهاجرين غير الشرعيين النازحين من ليبيا بنحو 1.5 مليون مهاجر، أغلبهم عرب وأفارقة(من النيجر والسودان وتشاد) حيث يتم تجميعهم في أماكن التقاء خاصة داخل كل دولة، ثم تقوم عصابات التهريب بنقلهم عبر حافلات كبيرة، في مقابل مبالغ مالية محددة، وهناك ينتظرون عده أسابيع إلى أن يتم ترحيلهم عبر البحر، ويقعون فريسة لخفر السواحل الإيطالية الذين يلقون القبض عليهم، ومن ثم يرسلونهم إلى معسكرات للإيواء معدة خصيصا لذلك؛ تمهيدا لترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية وفى داخل هذه المعسكرات، يلقون معاملة قاسية من قبل السجّانيّن الذين قد يجبرونهم على القيام بخدمة بقية المسجونين، وفق ما ذكره البعض ممن خاضوا هذه التجربة من قبل .

قام " إسلام تايم" بجولة بين الشباب العربي للتعرف على أبعاد الظاهرة، فالتقينا في البداية ناصر العوضى، محاسب مغربي الذي يرى أن الأوضاع الاقتصادية بالغة السوء، التي يعيشها أغلب الشباب العربي، وحاجتهم الماسة إلى تحسين أوضاعهم المادية، هي الدافع الرئيسي وراء عمليات الهجرة، ويضيف بعد أن فرضت الحكومات الأوربية قيودا عديدة عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، اتجه الشباب إلى الطرق غير المشروعة؛ من أجل تحقيق حلمهم في السفر ويقول العوضى: لدينا في المغرب قرى كاملة يتجه شبابها مباشرة إلى الهجرة، وغالبا ما يعودون صفر اليدين بعد إلقاء القبض عليهم!

صندوق دعم للخريجين

أما تامر ربيع طالب مصري، فيدعو لحل عربي جماعي للمشاكل، التي تجعل الشباب يصرون على الهجرة للخارج، مؤكدا على أهمية تفعيل دور الجامعة العربية، وإنشاء صندوق دعم للخريجين بما يسهم في الحد من الظاهرة، من خلال تقليص نسبة البطالة بين الشباب.

وترى الخبيرة التونسية في علم الاجتماع د.سعاد الكارم، أن هذه الظاهرة باتت خطيرة بالفعل فمنذ سبتمبر الماضي تم ترحيل 655 مصري من إيطاليا، وذلك بعد أقل من أسبوع على غرق مركبتين مصريتين قرب السواحل الإيطالية، وكذلك ضبط قارب مصري كان معرضا للغرق قرب جزيرة كريت اليونانية، وكانت تحمل على متنها 155 شابا، والأمثلة في هذا الصدد من الشباب العرب لا تعد ولا تحصى.

وتضيف غالبا ما يلقى هؤلاء الشباب مصائر مهوله، إما بالغرق أو القبض عليهم وزجهم في السجون أو ترحيلهم مرة أخرى إن كانوا سعداء الحظ، وفى بعض الأحيان قد يتم استغلالهم وتشغيلهم في شبكات دعارة أو ترويج مخدرات أو زجهم في الحروب الدائرة في الصومال أو العراق أو لبنان، أما من ينجح منهم في الوصول بأمان إلى تلك الدول فإنهم يعانون الأمرين من استغلال أرباب العمل لهم، ويعانون أوضاعا إنسانيه ومعيشية معقدة.

وتقول د. نعمت عوض الله - خبيرة العلاقات الاجتماعية والنفسية بجامعه القاهرة-: إنه على الرغم من التحذيرات الإعلامية المستمرة، إلا أن ذلك لم يردع الشباب عن هذه الفكرة نظرا لكم الآمال العريضة، التي يحملونها حيث يتوقعون أن تكون سببا في نجاتهم، من الإحباطات التي يعيشونها نتيجة الفقر والبطالة.

وتقول د. نعمت: إن الدول العربية تخسر الكثير نتيجة الشباب الذين يلقون حتفهم أثناء سعيهم للهجرة لأوروبا، حيث تفقد الكثير من الأسر العائل الوحيد لها، وحتى الشباب الذين ينجحون في الوصول لتلك الدول، ويجدون فرص عمل فإنهم يعودون في نهاية الأمر لأوطانهم محملين بقيم وثقافات غربية، ولا يتمكنون من التكيف بسهولة مع مجتمعاتهم .

الحكومات غائبة!

ويلقي د.ماهر الضبع أستاذ علم الاجتماع بجامعه المنوفية بمصر، باللوم على الحكومات العربية التي فشلت في تبني سياسة لاستيعاب خريجي الجامعات، الذين يعانون من إحباطات مستمرة بسبب الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، الأمر الذي يدفعهم بالضرورة إلى الهجرة سواء الشرعية أو غير الشرعية.

وينادي د.الضبع بضرورة تكاتف الحكومات العربية؛ من أجل تشغيل هؤلاء الشباب، وبما يتناسب وإمكاناتهم الفعلية، وليست الجامعية فحسب كما دعا إلى ضرورة تغيير النظرة الدونية، لدى الكثير حيال الأعمال الحرفية أو اليدوية، واعتبارها مما يقلل من المكانة الاجتماعية لممتهنيها، فهناك اعتقاد سائد في أغلب الشعوب العربية، أن الأعمال اليدوية أو الحرفية، هي أعمال دونيه بل إن هناك بعض الأسر ترفض تزويج بناتها، ممن يمتهن هذه الأعمال مما يرسخ من الاعتقاد السائد لدى الشباب بضرورة شغل وظائف راقية، وهو ما لا يجدونه متاحا في دولهم، وبالتالي يلجأون للهجرة للخارج، ليس لشغل وظائف راقية وإنما على سبيل التباهي والتفاخر غير عالمين لما ينتظرهم من أهوال، تجعلهم يتجرعون كؤوس الندم، عما فقدوه من وقت وجهد ومال في سبيل مخاطرة غير مأمونة العواقب.

وبعد .. فهل تستمر قوافل الشباب العربي الذي يفر من بلاده إلى المجهول ؟ أم تتحرك تلك الدول لحماية أبنائها من الغرق في أمواج البحث عن الثروة خارج حدود الوطن ؟

مشكوووووووووووور وليد